عُرفت جرش بإسم جيراسا ( Γερασα ) في بداية الفترات اليونانية وهو نقلاً لإسمها السامي جِرَشا، ومن ثم أنطاكية على نهر الذهب ( Ἀντιοχέων πρός τῷ τῶν Χρυσορόᾳ) وهو السيل الذي يمر في وسطها، وسُميت بأنطاكية نسبة إلى أنطيوخس أحد ملوك السلوقيين، وربما يكون أنطيوخس الرابع في أوائل القرن الرابع قبل الميلاد، واستمر هذا الإسم إلى بدايات الفترة الرومانية، ومن ثم أُعيد استخدام اسمها القديم جيرسا (Gerasa) بعد زيارة الإمبراطور هدريان إلى جرش عام 129ميلادية، وفي نفس الفترة كان الأنباط يطلقون على جرش إسم (جرشو ) حيث ينتهي الإسم بالواو، وهي إحدى علامات الإسم في حالة الفاعلية أو الرفع، وفي فترات الحكم العربي والإسلامي أطلق على جرش عدة أسماء: كورة جرش، جرش ، جبل جرش، إقليم جرش، في فترة الحكم العثماني عرفت بإسمين: (جبل الصويت) وهو يشمل القرى في المناطق الشمالية والشرقية من المدينة، و(جبل المعراض) ويشمل مدينة جرش والقرى الشمالية الغربية التابعة لها، وفي أواخر الحكم العثماني أطلق عليها قضاء جرش واستمر هذا الإسم إلى مجيء الدولة الهاشمية الحديثة).
تقعُ جَرش في شمالِ الأردُنّ، وعلى بُعد مسافةٍ قصيرةٍ بالسّيارة من العاصمةِ عمّان ستَصِلُ إلى أحدِ أكثرَ مواقِعَ العَمارةِ اليونانِيّة
والرّومانِيّة المحفوظةِ جيّداً على مُستوى العالم والموجودةِ في قلبِ المَدينة الحَضريّة. يعودُ تاريخُها إلى العَصرِ الحَجرِيّ الحَديث، أمّا عن ازدِهارِها فكانَ في ظِلّ الحُكمِ الرّوماني، وعليهِ فإنه بإمكانِك أن تتَخيّلَ وتسترجَعَ الماضي أثناءَ التّنزّهِ في الشّوارِع ذاتِ الأعمدَةِ والسّاحاتِ العامّة والأسواقِ والمَعابِدِ والمَسارح، وجَميعِ السّماتِ الرّئيسية الّتي اشتُهِرت بها الإمبراطوريّتينِ الرّومانِيّة والبيزنطِيّة. تعرِضُ هذِه الشّواهِدُ القديمة القِيَمَ الجَمالِيّةَ والفنّيّةَ للآثارِ والهندسةِ المِعمارِيّة، بالإضافةِ إلى العَديدِ مِن التّفاصيلِ الدّقيقةِ التي تعكِسُ الأنماطَ المِعماريّةَ المُختلفةَ للإمبراطوريّاتِ العِدّةِ التي حَكَمَت سابقاً.
في عامِ 636م، كان الفتحُ الإسلامِيّ سهلاً وسلسًا لِمناطقِ الأردُنّ، بما في ذلك جَرش. وخلالَ العَصرِ الأُموِيّ، شهِدَت جَرش إزدهاراً كبيراً، لكنّها تراجَعت خلالَ العَصرِ العَبّاسيّ.
وبعدَ الزّلزالِ المُدمّرِ عامَ 749م، هاجر سُكّانُ المّدينة عنها. ومع ذلك، بَدَأت الحَياةُ تَعودُ مَع بِدايَة القرنِ الثاني عَشَر، وفي بِدايَة القَرنِ التّاسِعِ عَشر بَدَأت المَدينةُ الحَديثةُ بالتشكُّلِ مِن جَديدْ.
بإمكانِ الزّوارِ أن يقوموا بزيارة منازِلِ العائلاتِ لتجربةِ عَيشِ الحَياةِ اليَومية في جَرش والمُشاركةُ في نشاطاتٍ منزليّةٍ مثلَ قطفِ الفاكِهة أو الزّيتون، وصُنعِ المُربّى والمُخلّلات، وجَمعِ العَسَل، وإعدادِ الشّاي المَحلّيّ المُنكّهِ بالأعشاب أو القهوةِ المصنوعةِ من البلّوطِ (وَصفة محلّيّة وسِرية) وتعلُّم كيفِيّة تحضيرِ الأطباقِ المَحلّيّة الفَريدةِ مع مُضيفيهم. ولا نَنسى أنّ جَرش تشتهِرُ بمُنتجاتِ الألبانِ العالِيةِ الجُودة والتي يرجع السّبب في جودَتِها إلى خصوبةِ الجبالِ والوِديان والمراعي والأمطار الغزيرة التي تخلِقُ ظروفاً مِثالِيةً للأغنامِ والخِرافِ المَحلّيّة لإنتاجِ الحَليبِ الطّازجِ ليُصنعَ منه اللّبن والجُبن المحلّيّ.
ونذكُرُ أيضاً اللّبَنَةَ الجرَشِيّة (نوعٌ من الزّبادي المُصفّى)، وهي المُنتجُ الأكثرُ شُهرَةً في جَرش، والّذي لا يَزالُ يتمّ إنتاجُها باستِخدامِ كيسِ جلدِ الماعِز التّقليدِيّ لِتَصفِية الحَليبِ، ويتِمّ تقديمُه بفَخرٍ في المطاعِمِ والمنازلِ في جَرَشَ والأردُنَّ عامّةً.
تنعَمُ جَرش بأرضٍ خَصبة تَفيض بوفرة بِمزارِع الفاكِهةِ الطّازجة وبساتينِ الزّيتونِ ومزارعِ الألبانِ الموجودةِ حول أسوارِ المَدينة، وكُلّها تُوفّرُ تجربةَ تذوّقِ الطّعامِ المحلّيّ. تتميَّزُ زيارَتُكَ لمدينةِ جَرَش بتوفّرِ العديد من خياراتِ الطّعام، بدءاً من الأطباقِ المحلّيّة المطبوخةِ في المنزل مثلَ المقلوبَة والمَنسَف والمكمورةُ والمُطبّقّةَ اللذيذةَ التي تمنحُك نبذةً عن فنّ الطّهي المَحلّيّ، إلى جانبِ العديدِ من المطاعِم الّتي تقدّمُ أطباقَ بلادِ الشّام.
بالإِضافةِ إلى الإرثِ التّاريخيّ للمدينةِ ، فإنّها تتمَتّعُ بِمناطِقَ جَبلِية ذاتِ طبيعةٍ جذّابةٍ. بدءاً بِمحمِيّة غاباتِ دِبّين، والّتي تقعُ جَنوبَ الآثارِ الرّومانيّةِ على بعد 8.5 كم، وهي مجموعةٌ مِن الأراضي المَحمِيّةِ الّتي تُعدّ واحِدَةً من أواخِرِ غاباتِ الصَّنوبَرِ والبلّوطِ المُتواجدةِ في الشّرقِ الأوسطْ، كما أنّها موطِنٌ لـ 17 نوعاً مِن الأنواعِ المُهدّدةِ بالإنقراض، وتتوفّرُ فيها مناظرُ خلّابةٌ ومساراتٍ للمَشي وتجاربَ للمُغامراتِ لا مثيل لها. فكانَ إنشاءُ المَحمِيّة عامِلٌ مُساعِد في الحِفاظِ على هذا التّنوّعِ البيولوجيّ المَحلّيّ الفَريدِ، وتوفيرِ فُرَصٍ إقتصادِيّةٍ بديلةٍ و مُستدامة للمُجتمعاتِ المَحلّيّة.
جَرش هيَ أيضاً موطِنٌ لِمهرجانِ جَرش للثقافةِ والفنونِ الّذي تأسّس عام 1981. حيثُ يستمِرُّ التّقليدُ القديمُ القائمُ باستِضافةِ مجموعةٍ متنوعةٍ من الأنشطِةِ والعُروضِ الثقافيّةِ المحلّيّةِ والإقليميّة والدّوليّة التي تزين المسارحَ القديمةَ التي يحضُرها الضّيوف مِن جَميع أنحاءِ العَالَم. مِن أهمّ الأماكِن الّتي يجب حُضورها والموجودةِ على رُزنامة الفعّاليّات الثقافيّة، هي العروضُ المسرحيّةُ مِن شعرٍ وموسيقى ورقصٍ تجعلُ المدينةَ وآثارَها تنبُضُ بالحياةِ في كُلّ صيفٍ من شهرِ تمّوز والّتي تلقى اهتمامَ عَدَدٍ كبيرٍ مِنَ الجماهيرْ، وتُسلّط الضُوء على عَظمَة هذِه الآثار.
الاحتفاء بالثقافة والتراث والفن
يجبُ أن تتَضمّنَ زيارتُك لِجَرش الوُقوفَ في مركزِ الزّوّارِ الواقِعِ داخلَ موقِعَ جَرَشَ الأثريّ. وكُنقطَةِ انطِلاقٍ لكَ، سيُزوّدُكَ المركزُ ببعضِ المعلوماتِ لِتَعزيزِ زيارتِكَ لِجرش، كما وأنّهُ يضُمّ مُتحفاً صَغيراً يوضّح من خِلاله عن الآثارِ التّاريخيّة الّتي تمّ اكتشافها مؤخراً والتي ستُشكّلُ لديكَ صورةً عن الموضوعِ وتشرَحُ لكَ عن تاريخ الآثارِ والمدينة.